www.tasneem-lb.net

عقيدة

رحلة حياة - جولة في ملكوت الحج |7|

جولة في ملكوت الحج|7|

الحج عرفة

 

وبعد ذلك جاء يوم الحج!

نعم الحج عرفة! وماأدراك ما عرفة؟ هذا هو الموقف الوحيد الذي لا يطالب فيه الحاج بعمل جسدي، كالأعمالالسابقة من طواف وسعي حيث يبقى المؤمن في عرفة في خيمة هادئة. يأكل طعامه ظهراً، ويصليظهره، ويرتاح قليلاً، والعصر يقف للدعاء بين يدي الله عز وجل. ومن حسن التوفيق أن فييوم عرفة، لا يُميز أحد من أحد، فالثياب متحدة، ولا يُعرف الإنسان: لا هويته، ولا جنسيته،ولا انتماؤه؛ فالكل على هيئة واحدة، هنا عرفة. هنا مكان الخلوة الحقيقية مع رب العباد!هنا مكان المناجاة والدعاء!

هنا وقت الإقبال المستمرمن أول زوال عرفة إلى غروب الشمس، ابتعدت عن الأجواء التي قد تشغلني إلى أجواء خلوة.

لعلي أحوز على تلكالساعة الذهبية. أجل هنالك ساعة، لا بمعنى الدقائق، وإنما لحظات من الانقطاع إلى اللهعز وجل، حيث القلب يرق، والدمع ينزل، والإنسان يعيش حالة الرهبة الباطنية، وقد يقشعرجلده؛ فعلي أن أستبقي هذه الحالة، ولو بالخروج من الخيمة!

اجتهدت وحاولت استغلالاللحظات الأخيرة من عصر عرفة، وأخذت جانباً ولهجت بدعاء سيدي ومولاي الإمام الحسينويا له من دعاء واسع المضامين والمفاهيم والمناجاة "يا رب! أَنا الَّذِي أَسَأْتُ،أَنا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنا الَّذِي هَمَمْتُ. أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَالّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ..) ثم بدأت بمناجاة ربي بحديث خاص (الآنيا ربّ سينتهي يوم عرفة، وأنا لا أدري إلى أين وصلت، قبل أن تغرب الشمس. ربّ لا تحرمنيالدمعة ولا الإقبال والرقة، توجهت إلى ربي توجهاً بليغاً، لعله ينظر إليّ نظرةً رحيمةفي هذا اليوم فيغفر لي ذنوبي ويستر علي عيوبي ويدخلني الجنة ويجمع بيني وبين المصطفىمحمد (صلوات الله عليه وآله) ويحرّم جسدي عن النار.

ولم أنس مولاي صاحبالأمر - روحي له الفداء- لأنه (عليه السلام) - كما نفهم من بعض النصوص والإشارات- أنهيشهد الموسم، وهو أميره، وحتى أن الخضر (عليه السلام) لا يستبعد أن يكون من الذين أيضاًيشهدون الموسم في كل عام، لأن الخضر (عليه السلام) من الذين يؤنسون إمام زماننا فيزمان الغيبة، وله مواقف مع الأئمة عليهم السلام، كما يفهم من مواقف مختلفة.

نعم إن الإمام (عليهالسلام) هنا بين هذه الخيام، إن قرب أو بعد، فهو في هذا الجو، جدّدت له العهد بإمامتهوتوجهت إليه بمشاعر ملؤها الاستغفار والخجل من إمامي.

أجل عشت حالة الخجل،فإني طالما آذيته بقول أو فعل، توسلت وبكيت حتى يقبلني وينظر إليّ نظرة رأفة ورحمة.واجتهدت في الدعاء له بتعجيل الفرج، راجيًا ومتوسلاً لربي أن أكون من أنصاره وأعوانه.

 

في المزدلفة ومنى

وعند غروب شمس عرفةتوجهت بنا الحافلة إلى المزدلفة لجمع الجمار والمبيت فيها استعداداً للتوجه يوم العيدإلى منى.

وفي منى وأثناء رميالجمرات، استحضرت حقيقة مخيفة أن أي صراع أبدي مع هذا الشيطان، فأنا أُظهر له موسمالحج العداء له ولأعوانه، من خلال رمي لحصى، ولكن أخشى أن يغلبني الشيطان في موقف الجمرات،ويقول: أنتم رميتموني بالحجارة، ولكن أنا أرميكم بالأهواء، والمواقف، والخطوات الحياتيةالتي تبعدكم عن رب العالمين! وأعتقد أن الشيطان في يوم العيد، يضمر هذه العداوة ليولجميع الحجاج.

نعم حقيقة مخيفة! أناجئت في هذا السفر الطويل لرجم الشيطان فإن كنت من جنود الشيطان- والعياذ بالله- فإنيأكيداًً ممن يرجمون أنفسهم (رب اجعلني من جنودك الرحمانيين ولا تجعلني من جنود الشيطانالرجيم ).

ثلاثة أيام في منىقضيت فيها النهار والليل بالأدعية والتوسل والاستغفار عدا عن أوقات الرجم التي كانتمليئة بالجهد والمشقة في رجم هذا الشيطان الذي أرجو ربي أن يعيذني منه ويعصمني فيمابقي من عمري.

يتبع..

(وداع البيت/زيارةالمدينة).

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد