قرآننا
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)} [سورة الصّف] – الجزء الأول.
- التّجارة الرّابحة:
يقول تعالى في البداية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ..
بالرّغم من أنّ الإيمان والجهاد من الواجبات المفروضة، إلا أنّ الآيات هنا لم تطرحها بصيغة الأمر. بل قدّمتها بعرض تجاري مقترن بتعابير تحكي اللّطف اللامتناهي للبارئ عز وجل، وممّا لا شكّ فيه فإنّ (النّجاة من العذاب الأليم) من أهم أمنيات كل إنسان.
ولذا فإنّ السؤال المثار هو: هل تريدون من يدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟ وهو سؤال مثير لانتباه الجميع، وقد بادر في نفس الوقت وبدون انتظار للإجابة متحدّثا عن هذه التجارة المتعدّدة المنافع، حيث يضيف تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وممّا لا شك فيه أنُ الله سبحانه غني عن هذه التّجارة النّافعة وأنُ جميع منافعها تعود على المؤمنين، لذا يقول في نهاية الآية: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
والجدير بالملاحظة هنا أنّ المخاطب هم المؤمنون بقرينة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا؛ لكنُه في الوقت نفسه يدعوهم إلى الإيمان والجهاد.
وربما كان هذا التُعبير إشارة إلى أن الإيمان يلزم أن يكون عميقًا وخالصًا لله سبحانه، حتّى يستطيع أن يكون منبعًا لكلّ خير، وحافزًا للإيثار والتّضحية والجهاد، ولذا لا يعتدّ بالإيمان الإسمي السّطحي.
أو أنّ التّأكيد على الإيمان بالله ورسوله هنا، هو شرح لمفهوم الإيمان الُذي عرض بصورة إجمالية في بداية الآية السّابقة.
وعلى كل حال فإنّ الإيمان بالرّسول لا ينفصل عن الإيمان بالله تعالى، كما أنّ الجهاد بالنّفس لا ينفصل عن الجهاد بالمال، ذلك أنُ جميع الحروب تستلزم وجود الوسائل والإمكانات المالية، ومن هنا فإنّنا نلاحظ أنّ البعض قادر على الجهاد بكلا النُوعين (النّفس والمال) وآخرين قادرون على الجهاد بالمال فقط وفي المواقع الخلفيّة للجبهة، وبعض آخر مستعدّ للجهاد بالنّفس والجود بها في سبيل الله لأنّهم لا يملكون سواها.
إلا أنّ الضّرورة تستلزم أن يكون هذان النّوعان من الجهاد توأمين متلازمين كلّ منهما مع الآخر لتحقيق النّصر، وعند التّدقيق في الآية المباركة نلاحظ أنه تعالى قد قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنّفس، لا باعتباره أكثر أهميّة، بل بلحاظ أنّه مقدّمة للجهاد بالنّفس، لأنّ مستلزمات الجهاد لا تتهيّأ إلا عند توفّر الإمكانات المادّية.