نسائم قرآنية
قال تعالى ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱلله عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ ﴾ [ الحج: 11].
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ أي إن بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان، وإن إيمانه ضعيف جدًا. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه. وعبارة "على حرف" ربما تكون إشارة إلى أن إيمانهم باللسان فقط، وأن قلوبهم لم تر بصيصًا من نوره إلا قليلًا، وقد تكون إشارة إلى أن هذه المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه، فأحد معاني "الحرف" هو حافّة الجبل والأشياء الأخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقر. فهو قلق في موقفه هذا، يمكن أن يقع بهزة خفيفة، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون إيمانهم بأدنى سبب.
ثم تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ (1) إنهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا وغمرتهم بخيراتها! ويعتبرون ذلك دليلاً على أحقيّة الإسلام.
إلا أنهم يتغيّرون ويتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل والقلق والفقر، فالدّين والإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدّنيا، فإنّ تمّ ما يبغونه كان الدّين حقّا، وإلا فلا.
ومما يلفت النّظر أنّ القرآن الكريم يعبّر عن إقبال الدّنيا على هؤلاء الأشخاص بالخير. وعن إدبارها بالفتنة (وسيلة الامتحان) ولم يطلق عليها كلمة الشر، إشارة إلى أن هذه الأحداث غير المرتقبة ليست شرًا ولا سوءًا وإنّما هي وسيلة للامتحان.
ويضيف القرآن المجيد في الختام - خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ مؤكّدًا أنّ أفدح الضّرر وأفظع الخسران، هو أن يفقد الإنسان دينه ودنياه. وهؤلاء الأشخاص الّذين يقيسون الحقّ بإقبال الدّنيا عليهم، ينظرون إلى الدّين وفق مصالحهم الخاصة، وهذه الفئة موجودة بكثرة في كلّ مجتمع، وإيمانها مزيج بالشّرك وعبادة الأصنام، إلا أنّ أصنامهم هي: أزواجهم وأبناؤهم وأموالهم ومواشيهم، ومثل هذا الإيمان أضعف من بيت العنكبوت!
(1) -كلمة "انقلب" في جملة "ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ" تعني التّراجع. ويمكن أن تكون إشارة إلى ترك الإيمان تمامًا، حتّى إنّه لا يعود إليه. فهو غريب عن الإيمان دومًا.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل.