www.tasneem-lb.net

عقيدة

رحلة حياة - جولة في ملكوت الحج |2|

جولة في ملكوت الحج |2|


وبدأتُ الاستعداد للسفر من ترتيب الأمور المادية واللوجستية الخاصة واللازمة للحاج ولم أنس التدبر والتأمل في الكتب الخاصة عن فلسفة الحج؛ لأني أعلم أنه في زحمة الحج وفي قمة انشغالي بإتيان المناسك، من الممكن أن لا أعطي الأمر حقه، محاولا  أن أبدأ سفري سفراً روحياً بكل معنى الكلمة، متخلقاً بكل الآداب والأخلاقيات التي وردت في الشريعة بالنسبة إلى الحج.

 

الاستحلال

نعم بالاستحلال بدأت! فقبل أن أخرج من بلدي بدأت أطلب الحلية من الخلق، من التبعات المالية، أو التبعات الأخلاقية.

فهنالك من هتكته يوما ما بقصد أو غير قصد، أو من كسرت قلبه، أو من اغتبته، بدأت أطلب منهم الحلية، ولو بنحو الإجمال، وبدأت بالذين لربما آذيتهم ولو بشطر كلمة أو ما شابه ذلك، فعلي أن أسترضيهم قبل الحج، وخاصة الأرحام.

وعمدت إلى استبراء ذمتي، بدفع الديون لأصحابها، وحاولت أن اتذكر إن كان لأحد في ذمتي مظلمة لأردها إليه أو حتى أتصدق بها نيابة عنه لرد المظالم عنه أو عن مجهول المالك، أو بعض الديات، ودفع ما في ذمتي من خمس المال أو أي تبعات مالية، لعل الله يقبل أعمالي ويحط عني أوزاري وتبعات الناس عني لأكون مقبولاً في ضيافته.

 

السفر

وبدأت الرحلة في ضيافة الله عز وجل.

نعم بمجرد أن خرجت من البيت،  شعرت أني تارك بيتي وأهلي وكلما أملك في هذه الدنيا الفانية ومهاجر إلى الملكوت الأعلى، وأنا في ضيافة الله عزوجل، وضيف الله بمجرد أن يخرج من منزله، فإن كل ما يصيبه أجره على الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ}، النساء/100.

وكنت طوال الطريق متمتمًا ببعض الأدعية والأذكار المستحبة في السفر مع الشعور بالشكر والامتنان لرب الأرباب الذي منّ عليّ بهذه النعمة العظيمة وأحمد الله على الأسباب التي  تهيأت لي، والموانع التي رُفعت عني بقدرته ورحمته تعالى.

كل هذه الأمور ألا تحتاج إلى شكر.

حطت الطائرة بنا في المطار وركبنا الحافلة متوجهين إلى مكان يسمى (الميقات).

وكاد قلبي أن يتحرك من مكانه بمجرد أني وصلت إلى المكان الذي كان من أعظم محطات نحيب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وموضع إظهارهم للجزع والأذى، لأن الإمام منهم كان يعيش حالة القلق والتخوف من أن يكون ممن يقال لهم: (لا لبيك ولا سعديك!)

وهي حركة تذلليّة، المراد منها تعليم الأمة، ونحن العصاة -غير المعصومين- من المناسب جداً أن نعيش هذا الشعور، وأن نخشى من أن يقال لنا: لا لبيك ولا سعديك!

لأن الميقات مكان إحرام الحاج، والمحرم الذي يدخل الحرم الإلهي بمعنييه المادي والغيبي المعنوي الملكوتي؛ عليه أن يستحضر أنه على أبواب قصر السلطان، فإن راعيت أدب الدخول من الباب، فسأكون بإذنه تعالى أقرب للاستقبال الحسن، ممن لم يراع آداب الدخول.

يتبع..

(آداب الميقات والإحرام، دخول الحرم المكي).


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد