ديننا
الصبر يعقب خيراً
|1|
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن الحُرّ حُرّ على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكّت عليه المصائب لم تكسره، وإن أسر وقهر، واستُبْدِل باليسر عسراً، كما كان يوسف الصديق الأمين، لم يُضْرِر حريته أن استُعبد وقهر وأسر، ولم تُضرِره ظلمة الجب ووحشته وما ناله أن منّ الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد إذ كان "له" مالكاً، فأرسله ورحم به أمةً وكذلك الصبر يُعقبُ خيراً فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا"اصول الكافي.
فما معنى الصبر؟
الصبر هو الامتناع عن الشكوى على الجزع الكامن. يقول العارف المعروف كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني: "إن المقصود من الامتناع عن الشكوى، هو الشكوى إلى المخلوق، وأما الشكوى عند الحق المتعالي وإظهار الجزع والفزع أمام قدسيته فلا يتنافى مع الصبر. كما اشتكى النبي أيوب عند الحق سبحانه قائلاً: ﴿إَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾(ص:41)، رغم أن الله تعالى أثنى عليه بقوله: ﴿إِنََّّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾(ص:44)، وقال النبي يعقوب ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ﴾(يوسف:86)، مع أنه كان من الصابرين".
ويبدو من تراجم حياة الأنبياء العظام والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين رغم أن مقاماتهم كانت أرفع من مقام الصبر ومقام الرضا والتسليم، إنهم لم يمتنعوا عن الدعاء والتضرع والعجز أمام المعبود، وكانوا يسألون حاجاتهم من الحق سبحانه.
إن تذكر الحق جل وعلا والخلوة والمناجاة مع المحبوب وإظهار العبودية والذل أمام عظمة الكامل المطلق، غاية آمال العارفين وثمرة سلوك السالكين.