عظمة ومنزلة الضيف الكريم
|3| الجزء الثاني
بالتأمل في خطبة الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وآله) نجد أنه تعالى جعل هذا الشهر الفضيل موردًا لرزق إلهيّ استثنائيّ
( هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله”).
فالناس هنا في هذا الزمن الرمضاني الأقدس هم ضيوف وافدون على الله، مكرَّمون في محضر قدسه سبحانه..
لذا فإنّ على الصائم العابد في شهر رمضان المبارك، أن يستشعر أحاسيس وعواطف إضافيّة، تنبع من وجدانه الإيمانيّ تنزل عليه نفحات وهبات رحمانيّة استثنائيّة تدفع به ليُرسخ شخصيّة متعدّدة القيم الفاعلة في حياته الروحيّة. ومن أبرز تلك القيم:
الشعور الدائم برقابة الله تعالى
فتجعله يستشعر في أدق حياته التفصيليّة بإحسان المولى إليه والذي يبرز من خلال أمور عاديّة يُحوِّلها الكرم والإحسان الإلهيّ إلى عبادة. (أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة..).
ويتّسع هذا الإحسان ليضمن المقبوليّة في الأمور التي سنّها الإسلام كسبل للصلة بين العبد وربّه سبحانه "عملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب..".
بل ويزيد في الإحسان فيحوّله إلى وعد قاطع بالجزاء الوفير ((ظهوركم ثقيلة من أوزانكم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنّ الله تعالى أقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم في النار يوم يقوم الناس لربّ العالمين)) والملفت هنا هو توجيه وعي الصائم إلى حقيقة المغفرة الإلهيّة بكلمة "واعلموا.." إشارة إلى ضرورة التيقّن والثقة بالله وبوعده سبحانه.
وعندما يتقيُّد الصائم بسلوك طريق التوبة بما هي فعل مجاهدة للنفس، وبما هي تكشف عن سبق الفضل والرحمة والامتنان الإلهيّ "وتوبوا إليه من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم فإنّها أفضل الساعات، حيث ينظر الله عزّ وجل فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه ويستجيب لهم إذا دعوه..".
وهذه النظرة منه تعالى في هذه الأوقات العبادية هي حقيقة غاية مقصد كلّ تائب.
وحينما يعتبر أنّ العلاقة مع الناس، خاصّة منهم أهل الحاجة هي علاقة مع الله سبحانه وتعالى.. "تصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم.. وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم".
فهنا يظهر الربط لكلّ أمر معنويّ أو علاقة مع الناس بجزاء إلهيّ خاصّ ممّا يشكّل برنامجًا روحيًّا خاصًّا… ((من حسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط.. ومن كفَّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه.. ومن أكرم فيه يتيمًا أكرمه الله يوم يلقاه، ..).
وهذا ما يجعل للصلة بين أهل الولاء قيمة مقدّسة تربط أواصر الجماعة ببعض.
وهكذا تسمو النفس بأعلى القيم نحو الكمال المرجو في الشهر الفضيل.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر قَرُبَتْ فِيهِ الامالُ وَنُشِرَتْ فِيهِ الاَعْمَالُ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ.
السَلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ (عند انتهائه) وَعَلَى مَاض مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ.
تقبل الله من الجميع صالح الأعمال.