www.tasneem-lb.net

موقف تربوي

موقف تربوي - يا شبليّ! هل حججت! الجزء الثالث

شعائرنا
يا شبليّ! هل حججت!
الجزء الثالث 

أبرز أعمال الحج وآدابه المعنوية في رواية شبليّ:
▫️  أدب الطواف والسعي:
مما قاله أيضاً الإمام السجّاد (عليه السلام) للشبليّ: "طفت بالبيت ومسست الأركان وسعيت؟" قال: نعم. قال (عليه السلام): "فحين سعيت، نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علّام الغيوب؟" قال: لا. قال (عليه السلام): "فما طفت بالبيت ولا مسست الأركان ولا سعيت!". قال (عليه السلام) له: "أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما؟" قال: نعم. قال (عليه السلام) له: "نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟" قال: لا. قال (عليه السلام): "فما سعيت ولا مشيت، ولا تردّدت بين الصفا والمروة!".

فالحاج عندما يطوف حول الكعبة المشرّفة سبعة أشواط في حركة دؤوبة فكأنما يهرب من نفسه ويلوذ بصاحب البيت، فأدب الطواف أن يعقد العزم على الخروج من بيت نفسه والهروب منها وإعلام صاحب البيت بنيته، عسى أن يخلصه برحمته من هوى النفس، فإن: "أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك". كما عليه أن يتمثّل بملائكة الله في تعظيم رب العرش العظيم: يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "وطُفْ بقلبِك مع الملائكة حولَ العرش كطَوافك مع المسلمين بنَفسك حولَ البيت. ودُرْ حولَ البيتِ مُتَحقِّقاً لتعظيمِ صاحبِه ومعرفةِ جلالِه وسُلطانِه"1.

وأما أدب السعي بين الصفا والمروة فهو أن لا يخرج الحاج عن أمرين: رجاء رحمة الله وخوف عدله ونقمته. فإن قلب المؤمن لا يزال يتردد بين الخوف والرجاء، فهو لا يأمن عقوبته وفي الوقت عينه لا ييأس من رحمته. وقد ورد في الحديث: إنّ الشيطان أراد أن يهجم على نبي الله إبراهيم فهرول منه فارّاً كي لا يلتقي به، فكانت الهرولة سنّة للطائفين ليفرّوا من الشياطين من الجنّ والإنس، ويحذرونهم في إغوائهم وتسويلاتهم وخُططهم. وفي هذا المورد يقول إمامنا الصادق (عليه السلام): "وهرول هرولة فرًا من هواك وتبرأ من جميع حولك وقوتك"2.

▫️  آداب الوقوف بعرفة:
وقال الإمام السجّاد (عليه السلام) للشبليّ: "هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك واطّلاعه على سريرتك وقلبك؟" قال: لا. قال (عليه السلام): "فما وقفت بعرفة..".

ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحج عرفة"3، كما نجد إشارات متعددة في الروايات لبيان أهمية الموقف في عرفة، وتُشير إلى أنّ عرفة سُمِّيت بهذا الاسم، لأنّ آدم (عليه السلام) اعترف فيها بذنبه. 

فأدب عرفة أن يعلم أن الله هو العليم المطّلع على السرّ وأخفى، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات أو الأرض، وهو مطّلع على ظاهر الحاج وسريرته، فأين المهرب من علّام الغيوب؟ وقد قيل: إنّ من أعظم الذّنوب أن يحضر عرفات ويظنّ أنّ الله لم يغفر له، ولذا يقول إمامنا الصادق (عليه السلام): "واعتَرِفْ بالخطايا بعَرَفات وجَدِّدْ عهدَك عندَ الله تعالى بوحدانيَّتِه"4.

▫️  آداب منى ورمي الجمار وحلق الرأس ونحر الهدي:
وممّا قاله (عليه السلام) للشبليّ أيضاً: "فنويت عندما وصلت منى ورميت الجمار أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلّ حاجتك؟" قال: لا. قال (عليه السلام): "فعندما رميت الجمار نويت أنّك رميت عدوّك إبليس وغضبته بتمام حجّك النفيس؟ قال: لا. قال (عليه السلام): "فعندما حلقت رأسك نويت أنّك تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم، وخرجت من الذنوب كما ولدتك اُمّك؟" قال: لا. قال (عليه السلام): "فعندما ذبحت هديك نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسّكت به من حقيقة الورع، وأنك اتّبعت سنّة إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده وثمرة فؤاده وريحان قلبه، وأحييت سنّته لمن بعده، وقرّبه إلى الله تعالى لمن خلقه؟" قال: لا. قال له الإمام زين العابدين (عليه السلام): "فما وصلت منى، ولا رميت الجمار، ولا حلقت رأسك، ولا أدّيت نسكك،...ولا تقرّبت، ارجع فإنّك لم تحجّ!". فطفق الشبلي يبكي على ما فرّطه في حجّه، وما زال يتعلّم حتّى حجّ من قابل بمعرفة ويقين.

وأدب المكوث بمنى أن يثق الحاج بأن الله تعالى قد أجابه في دعائه وأعطاه مناه، فليس من عادة الكريم أن يعد بالإجابة ثم يخلف وعده، ومما وُعد به هو غفران ذنوب الحاج في عرفات، فعلى الحاج أن يستحضر كرم الله وإجابته ولطفه وأن لا يغفل عن حضوره تعالى في كل شؤونه، وعليه أن يلتزم بآداب الدعاء طالما أنه يثق بأن الله مجيبه فلا يطلب إلا ما يحلّ له، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "واخْرُجْ مِنْ غَفْلتِك وزَلّاتِكَ بخُروجِك إلى مِنى. ولا تَتَمَنّ ما لا يَحِلُّ لكَ ولا تَسْتَحِقُّه"5. وبرمي الجمرات ينوي الحاج أنه يرمي عدوّه إبليس ومواريث إبليس من حب النفس والأنانية والعجب والكبر، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "وارمِ الشّهواتِ والخَساسةَ والدّناءةَ والذّميمةَ عندَ رَمْي الجَمَراتِ"6.

أما أدب ذبح الهدي فهو ذبح النفس الأمّارة وترك الهوى والطمع واتّباع سنّة نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، وأدب حلق الشعر هو عزم نيّة التخلّص من كل دنسٍ وعيبٍ ظاهر أو باطن، وفي هذا المورد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "واذبح حنجرَة الهوى والطّمع عنك عند الذّبيحة"7. وفي حلق الشعر قال (عليه السلام): "واحلق العيوب الظّاهرَة والباطنة بحلق شعرك"8.

هوامش:
1. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج10، ص 172.
2. منسوب للإمام الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، باب الحج، ص 47.
3. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج10، ص 34.
4. م.ن، ج10، ص 172.
5. الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج10، ص 172.
6. م. ن.
7. م. ن.
8. م. ن.

روح العبادة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية الإلكترونية (بتصرف).


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد