www.tasneem-lb.net

تاريخي

تاريخي - الخطبة الفدكية |4|

قدوتنا
مقتطفات من الخطبة الفدكية (شرح وتحليل لفصاحة الخطابة والبيان..)
|4|

◼ "والحجَّ تشييداً للدّين"
بهذه العبارة القصيرة، تكشف الزّهراء عن فلسفة الحجّ وأهدافه السامية، فهو تشييد للرسالة وإقامة لصروحها الشامخة. ولكن، لماذا تعلن الصّدّيقة عليها السلام كون الحجّ تشييداً للدّين دون غيره من الفرائض؟ لأنّه في حقيقته مؤتمر إسلاميّ كبير يضمّ ممثّلين عن مختلف الشعوب الإسلامية.
وحين يعيش الحجيج هذه الإشعاعات التي تنبثق من فريضة الحجّ، فإنّما يعيشون الإسلام حقيقة واقعة، ويعيشون الوحدة التي حمل الإسلام لواءها بكلّ أبعادها، حيث يجتمعون في بقعة واحدة، ويردّدون نداءً واحداً، ويحملون هدفاً واحداً، هو رضوان الله تعالى، وتسودهم المساواة بكلّ أبعادها أيضاً، فاللباس موحّد، والهتاف موحّد، والعمل واحد، والفعاليّات واحدة. وهذه المراسيم تمثّل المساواة التي رسم الإسلام حدودها بأعلى صورها وأنصع ألوانها، وعلى هذا الأساس، يتحقّق مفهوم الأُخوّة ويتجسّد حقيقة ملموسة. فحين ينكشف لنا هذا المغزى الرّصين من تشريع الحجّ نكون قد فهمنا الدّافع الذي حمل الزهراء عليها السلام لتعدّ الحجّ تشييداً للدّين.

◼"والجهاد عزّاً للإسلام وذلاً لأهل الكفر والنّفاق"
الجهاد فرض عباديّ تتولّاه الأُمّة الإسلامية، استجابةً لنداء الإسلام المفروض عليها، كونه يحفظ بقاء الإسلام وقوته وعزة المسلمين وبلدانهم وأعراضهم. والزّهراء عليها السلام حين تحدّد لنا الغاية التي شُرِّع الجهاد من أجلها تضع أمام الأجيال نقطتين هامّتين تكشف عن طريقهما الحقيقة التي شرع الجهاد من أجلها بأقصر وأفضل السُّبل، فالجهاد في نظر الزهراء يحقّق النّصر المؤزر للرسالة الإسلامية أوّلاً، ويكسبها العزّة والظهور على كل المناهج الجاهلية المعوجّة ويهزم قوى الضّلال والكفر ثانياً، حيث يتمخّض عن الجهاد إذلال المعسكر الجاهليّ وتوهين مكائده وتوجيه صفعة شديدة لأهل النّفاق، كما يفيد كلامها عليها السلام.

◼"وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة"
وهنا تُبرز الزهراء عليها السلام مفهوماً إسلاميّاً، ما اختلفت الأُمّة الإسلامية في شيء كاختلافها فيه، ذلك: هو المفهوم السياسيّ الإسلاميُّ الذي يبتني على أساسه الكيان الدولي والإداريّ لهذه الأمّة.
وقد أبرزت هذا المفهوم بجانبيه: التشريعيّ والتطبيقيّ. وعبّرت الزهراء عليها السلام عن العنصر الأول (عنصر التّشريع) بالفقرة الأولى من عبارتها: "وطاعتنا نظاماً للملّة"، حيث أعلنت: أنّ طاعة أهل البيت عليهم السلام تحفظ الشّرع المقدّس من كلّ اختلاف أو تصدُّع، وهنا تبرز عظمة الزهراء عليها السلام حيث تقول: "وطاعتنا" حقيقة منطقيّة ثابتة نطق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بها وأكّدتها عشرات المواقف بشهادة كبار الصحابة والتابعين.
ثمّ تكشف الزهراء عليها السلام الشّطر الثّاني من المفهوم السّياسيّ في الإسلام، فتقول: "وإمامتنا أماناً من الفرقة". فإذا كانت الزهراء قد قصدت الجانب التشريعيّ من المسألة الإدارية لشؤون الأُمّة في العبارة الأُولى "وطاعتنا نظاماً للملّة"، فإنّها ترسم هنا الشقّ الثاني من الموضوع ذاته، فتعلن كون إمامة أهل البيت عليهم السلام وقيادتهم لهذه الأُمّة مفروضتين من الله سبحانه كسائر الواجبات، وعلّة هذا الفرض تتجلّى في تخليص الأُمّة من شبح التمزُّق والتخريب والانقسامات المصلحيّة؛ لأنّ إقصاء أهل البيت عليهم السلام عن مركزهم القياديّ يفضي إلى قيام صراع سياسيّ على الحكم والإدارة، أمّا إذا تولّى أهل البيت هذا المقام الرّفيع، فإنّ أحداً من الناس غير قادر على بلوغ مقامهم الذي بوّأهم الله سبحانه إيّاه من معرفة تامّة لمعالم الشّريعة الإسلامية أو من عصمة نفسيّة تحفظهم من كلّ خطأ في أحكامهم وقراراتهم. إذاً، فإنّ الزهراء عليها السلام قد لفتت في كلامها إلى أهميّة المسألة وحساسيتها حين لخّصت ذلك بقولها عليها السلام: إنّ إمامة أهل البيت عليهم السلام ابتعاد عن الفرقة والاختلاف على الصعيدين السياسيّ والاجتماعيّ(1).

⭕ هوامش:
(1) الزهراء عليها السلام العالِمَة/ الشيخ حسن أحمد الهادي أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية، لبنان/ مجلة بقية الله (بتصرف).


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد