www.tasneem-lb.net

تاريخي

تاريخي - الخطبة الفدكية |1|

قدوتنا
مقتطفات من الخطبة الفدكية (شرح وتحليل لفصاحة الخطابة والبيان..)
|1|

◼ ما يوجد في الحياة الظاهرية لهذه الإنسانة الجليلة (السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام) هو من جهة العلم والحكمة والمعرفة، بحيث حينما تنظرون في خطبة كالخطبة الفدكية الشهيرة لها سلام الله عليها، والتي يرويها الشيعة، ويروي أهل السنة بعض فقراتها على الأقل -والبعض يروونها بتمامها- حينما تنظرون في حمد وثناء هذه الخطبة وفي مقدماتها ترونها كلها حكمة ومعرفة تجري كالجواهر والدرر على لسان هذه الإنسانة العظيمة وتنتشر في الأجواء، وقد بقيت لنا اليوم والحمد لله. وذلك في موقف لم يكن موقف تعليم أو علم ومعرفة، بل كان الموقف في الحقيقة موقف محاججة سياسية. ثمة في هذه الخطبة المباركة معارف إلهية وإسلامية في أعلى المستويات مما يمكن بالنسبة لنا إدراكه (1).

◼ خطبة الزهراء عليها السلام التي ألقتها على مسامع الناس بُعيد وفاة أبيها وفي مسجده صلى الله عليه وآله تعد من أهمّ ما صدر عن لسان أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. فهي تعتبر منشوراً متكاملاً وميثاقاً مهماً للحق والعدل والحرية عبر التأريخ، وقد ضمّنت الزهراء خطبتها الحِكَم المثلى ابتداءً من حكمة الخلق ومروراً بحكمة القيم الشرعية، وانتهاء بحكمة الوفود على الله تبارك وتعالى في يوم المحشر، فضلاً عن تبيينها لفلسفة الرسالة ومقام الرسول والولاية لأهل البيت عليهم السلام، واتباع نهجهم المنبثق أساساً عن القرآن الكريم لا غير.
ونحن إذ نفتخر بالانتماء إلى مذهب آل البيت، لا بد لنا من التعرف على أن هذا المذهب يعرج بجناحين -وهي الفكرة التي تمثل الروح في خطبة السيدة الزهراء- فالجناح الأول فيه العلم والحكمة والقيم المثلى والعقلانية والفهم الصحيح والمنطقي للدين. والجناح الآخر فيه الحماسة والولاية والعواطف والتضحية.
▪ الجناح الأول يتمثل في كلمات الوحي وكلمات الرسول الأكرم وآل بيته الطيبين الطاهرين، بدءاً بعليِّ أمير المؤمنين، وانتهاءً بالإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
▪ بينما الجناح الآخر يتمثل في الفهم والتعاطف والدفاع عن حقوقهم وعمّا بذلوه -آل البيت- للدين من الطاقات الجبّارة والدماء الزكية، حيث لم يدعوا طاقة في أنفسهم ولا شيئاً أو إمكانية لديهم إلّا بذلوها في سبيل وجه الله الكريم.
وإذا كانت الزهراء قد خطبت خطبتها المعروفة بالخطبة الفدكية في أجواء من الظلم واغتصاب الحقوق وانتهاك المحرمات والكرامات والمنازل المخصوصة لآل البيت ولها سلام الله عليها ولزوجها عليه السلام بالذات، فإنها لم تنسَ -وحاشى لها- أن تبين للأمة المنقلبة على عقبها ضرورة فهم الدين بالصورة الصحيحة، وضرورة العودة إلى جادة الحق التي اختصها الله في قرآنه الكريم وعلى لسان نبيّه المصطفى صلى الله عليه وآله.
إذن؛ فالاكتفاء بواحد من الجناحين لا يعدّ تمسّكاً بمذهب أهل البيت، وإنما المفروض فهم أسسه بالعقل والتفاعل معه عاطفياً. وإذا رأيت من يعلن التمسك بأهل البيت متخلفاً مستضعفاً، فاعلم أن ثمَّ خللاً في ادّعائه هذا، قد يكون في شكل وطريقة اتباعه لحكمتهم وفي طريقة التعبير عن التعاطف معهم.
ونحن إذا أردنا التمسك بكلا الجانبين فأمامنا خطبة السيدة الزهراء التي بيّنت فيها الأوامر والنواهي، كما حددت فيها معالم العدل والظلم إلى يوم القيامة، ولو أن مؤلفاً أو مفسّراً دوّن عشر مجلدات في تفسير هذه الخطبة العصماء وبيان أبعادها وآفاقها، ما بلغ حق هذه الخطبة، وهكذا الأمر بالنسبة لخطب وأحاديث أهل البيت الأخرى، إذ هي صادرة عن أناس يستلهمون من الله مباشرة من دون معلّم، والله أعلم حيث يجعل رسالته(2).
يتبع..

⭕هوامش:
(1) السيد القائد علي الخامنئي دام ظله.
(2) فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة الصديقين، آية الله السيد محمد تقي المدرسي، الناشر: دار محبي الحسين (ع)، قطع: رقعي، الطبعة: الأولى.

 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد