www.tasneem-lb.net

عقيدة

عقيدة - العبادة ودورها في بناء الشخصيّة |2|

ديننا

العبادة ودورها في بناء الشخصيّة
|2|

 

العبادة في القرآن والروايات:
نظرًا لأهميّة العبادة في المنظومة الإسلاميّة نجد أنّ القرآن الكريم استخدم مشتقات هذه الكلمة في مواضع كثيرة؛ حيث يدعو إلى عبادة الله عزّ وجلّ، ويصف الإنسان "بعبد الله" وهو أرقى وصف أطلقه على هذا الموجود الاستثنائيّ، ولقد ذكر القرآن الكريم أنّ الغاية والهدف من خلقه هو العبادة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ﴾.
وعن علّة تشريع العبادة يقول الإمام الرضا (عليه السلام): "لئلّا يكونوا ناسين لذكره، ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه؛ إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم. فلو تُركوا بغير تعبّد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم" - ميزان الحكمة/ج3.

إذًا فالعبادة حاجةٌ إنسانيّة:
تطوّرت الحضارة الإنسانيّة منذ قرون خلت حتّى اليوم تطوّرًا هائلًا، ممّا حدا بإنسان اليوم الذي أصبح ينتقل بالطائرة ويحمل الهاتف ويستخدم المصعد إلى التساؤل عن جدوى وأهميّة العبادات التي كان يقوم بها أسلافه قبل مئات الأعوام.
وفي الحقيقة إنّ العبادات في الإسلام لا شأن لها على الإطلاق بالحياة الماديّة للإنسان ومدى تطوّره، وإنّما هي إشباعٌ لثلاث حاجاتٍ أساسيّة لدى كلّ إنسانٍ في أيّ عصرٍ وُجد:
الحاجة إلى الارتباط بالله تعالى: الإيمان بالله تعالى والارتباط به عن طريق العبادات يؤمّن للإنسان الاستقرار النفسيّ والراحة والاطمئنان، وهذا ما يحتاجه في مسيرته. لأنّه عزّ وجلّ مالك كلّ شيء وبيده كلّ شيء وله الأمر كلّه والإنسان عبدٌ مملوكٌ لا يقدر على شيء لا إرادة له ولا تأثير أو حركة أو سكون إلّا بإرادة الله. ولذا أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذر رضوان الله عليه: "يا أبا ذرّ اعبد الله كأنّك تراه، فإن كنت لا تراه فإنّه يراك" - بحار الأنوار/ج 74.

الحاجة إلى تجاوز المصالح الفرديّة: علاج هذه الحاجة أيضًا بالارتباط بالله عزّ وجلّ عن طريق العبادات التي هي في حقيقتها أعمالٌ يقوم بها الإنسان للتقرّب من الله تعالى، ولا تصحّ منه ولا تُجزي إذا أتى بها من أجل مصالحه الخاصّة. من هنا تتمّ تربية الإنسان على تجاوز مصالحه الفرديّة، فيصبح أقدر على الانصهار في مجتمعه ممّا يؤمّن سعادة المجتمع ككلّ وسعادة هذا الفرد كجزءٍ منه. بل كيف يمكن أن يكون الإنسان مطمئنًا سعيدًا في مجتمعٍ تعيس؟ فهذه حاجةٌ له بالدرجة الأولى.
الحاجة إلى الشعور بالمسؤوليّة: كضمانٍ لتنفيذ القوانين وبالتالي للوصول إلى استقرار المجتمع الإنسانيّ، وتوفير الأمن والأمان لكلّ فردٍ منه. هذه المسؤوليّة يستشعرها الإنسان من خلال إيمانه برقابة الله عزّ وجلّ الدائمة التي لا يغيب عنها مثقال ذرّة في السماء ولا في الأرض، وهذه الرقابة تعزّزها العبادات والارتباط الدائم بالحقّ المطلق. 
وبناءً على ما أسّسناه فإنّ النظام العباديّ حاجةٌ ضروريّة في استقرار البناء الحضاريّ الإنسانيّ واطمئنان أفراده، هذا فضلًا عمّا للعبادات من أثرٍ بالغ على بناء شخصيّة الإنسان المسلم ممّا سنتعرّض له لاحقًا. 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد