www.tasneem-lb.net

شهر رمضان

شهر رمضان - حُسن الأدب من أعظم القيّم الإسلامية

حُسن الأدب من أعظم القيّم الإسلامية
 

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ /يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ/ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ /إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون)الحجرات ١-٤.

إن مسؤولية انضباط السائرين إزاء القادة، وخاصة إزاء القادة الإلهيين تقتضي ألا يتقدّموا عليهم في أي عمل، وقول، ولا يعجل أحد عندهم.
وبالطبع، فإن هذا الكلام لا يعني بأنه لا يجوز لهم أن يتشاوروا مع النبي إذا كان لديهم شيء يجدر بيانه، بل المراد منه إلا يعجلوا ويبادروا بالتصميم قبل أن يوافق النبي على ذلك! بل ينبغي أن يترك الأمر للقائد نفسه أن يبين المسائل في حينها، لا سيما إذا كان القائد معصومًا لا يغفل عن أي شيء! كما أنه لو سئل المعصوم أيضًا، لا يحق للآخرين أن يجيبوا السائل قبل أن يرد عليه المعصوم، وفي الحقيقة أن الآية جمعت كل هذه المعاني في طيها.

والآية الثانية:
(لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، إشارة إلى أنه لا ينبغي رفع الصوت على صوت النبي، فهو بنفسه نوع من الإساءة الأدبية في محضره المبارك، والنبي له مكانته. وهذا الأمر لا يجدر أن يقع أمام الأب، والأم، والأستاذ لأنه مخالف للاحترام، والأدب أيضًا.

أما جملة (لا تجهروا له بالقول) أي ترك مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنداء "يا محمد"، والعدول عنه بالقول: "يا رسول الله"!

وبديهي أن أمثال هذه الأعمال، إن قصد بها الإساءة والإهانة لشخص النبي، ومقامه الكريم فذلك موجب للكفر، ومحبط للأعمال. 

وفي الآية الأخرى 
نُكّرت كلمة "مغفرة " للتعظيم، والأهمية؛ أي أن الله يجعل نصيبهم المغفرة الكبرى والتامة، وبعد تطهيرهم من الذنب يرزقهم الأجر العظيم، لأنه لا بد من التطهير من الذنب أولاً، ثم الانتفاع من الأجر العظيم من قبل الله.

أما الآية (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون).
فأي عقل يدفع الإنسان إلى أن ينادي برفيع صوته أمام أعظم سفير إلهي، فلا يلتفت إلى آداب النداء كما فعلت قبيلة بني تميم فنادت النبي بصوت مزعج يا محمد، يا محمد! أخرج إلينا وهو مركز المحبة، والعطف الإلهي؟

كلما ترقى عقل الإنسان زيد في أدبه، فيعرف القيم الأخلاقية بصورة أحسن، ومن هنا فإن إساءة الأدب دليل على عدم العقل، أو بتعبير آخر إن إساءة الأدب عمل الحيوان، أما الأدب، أو رعاية الأدب فهو من عمل الإنسان.

جملة (أكثرهم لا يعقلون)
" الأكثر" استعمل هذا اللفظ رعاية للاحتياط في الأدب، حتى لو أن واحدًا أستثني من الشمول لا يضيع حقه عند التعبير بالأكثر، فكأن الله يريد أن يقول: إني أنا الله الذي أحطت بكل شيء علما، عند الكلام على مثل هذه الأمور أراعي الأدب في ذلك، فعلامَ لا تراعون في كلامكم هذه الناحية؟ 

- الأدب أغلى القيم، وقد أولاها الإسلام اهتمامًا كبيرًا بحيث يكون التعامل مع الآخرين مقرونًا بالاحترام، والأدب سواء مع الفرد أم الجماعة، ونشير إلى طائفة من الأحاديث الشريفة هنا على أنها شواهد وأمثال لهذا العنوان.

يقول الإمام علي (عليه السلام): "الآداب حلل مجددة" نهج البلاغة الحكمة ٥.
ويقول (عليه السلام) في مكان آخر: (الأدب يغني عن الحسب) بحار الأنوار، ج ٧٢ص٦٨.

كما أننا نقرأ حديثًا آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيه: "خمس من لم تكن فيه، لم يكن كثير فيه مستمتع، قيل: وما هن يا بن رسول الله، قال (عليه السلام): الدين، والعقل، والحياء، وحسن الخلق، وحسن الأدب " بحار الأنوار ج٦٦.

حين نقرأ تاريخ حياة القادة في الإسلام، وننعم النظر فيها نلاحظ أنهم يراعون أهم النقاط الحساسة، واللطائف الدقيقة في الأخلاق، والآداب حتى مع الأناس البسطاء، وأساسًا فإن الدين مجموعة من الآداب، الأدب بين يدي الله، والأدب بين يدي الرسول والأئمة المعصومين، والأدب بين يدي الأستاذ والمعلم، أو الأب، والأم، والعالم، والمفكر.
- والتدقيق في آيات القرآن الكريم، يكشف عن أن الله سبحانه بما له من مقام العظمة حين يتكلم مع عباده، يراعي الآداب بتمامها.
- فحيث يكون الأمر على هذه الشاكلة فمن المعلوم عندئذ ما هي وظيفة الناس أمام الله؟ وما هو تكليفهم؟

الطريف هنا أن القرآن عدّ أولئك الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، ويراعون الأدب بأنهم مطهروا القلوب وهم مهيأون للتقوى، وجديرون بالمغفرة، والأجر العظيم. في حين أنه يعدّ الذين ينادونه من وراء الحجرات، ويسيئون الأدب عنده - كالأنعام - أكثرهم لا يعقلون.

بعض المفسرين توسعوا في الآيات محل البحث بحيث تشمل المفكرين والعلماء والقادة من المسلمين، فوظيفة المسلمين أن يراعوا الآداب بين أيديهم.

عن الإمام علي بن الحسين (السجاد) (عليه السلام) في "رسالة الحقوق " حيث قال(عليه السلام):
" وحق سائسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدًا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدًا، ولا تغتاب عنده أحدًا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوًا، ولا تعادي له وليّاً فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته، وتعلمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس" ، المحجة البيضاء، ج ٣،ص ٤٥٠، باب آداب الصحبة والمعاشرة.
ونقرأ حديثاً في أصول الكافي نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) في شأن ما جرى للامام الحسن (عليه السلام) بعد وفاته، وممانعة عائشة عن دفنه في جوار رسول الله، جاء فيه أنه حين ارتفعت الأصوات استدل الإمام الحسين (عليه السلام) بالآية: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي).
ونقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: إن الله حرّم من المؤمنين أمواتا، ما حرّم منهم أحياء.

الانضباط الإسلامي في كل شئ، وفي كل مكان!
إن مسألة المديرية لا تتم بدون رعاية الانضباط، وإذا أريد للناس العمل تحت مديرية وقيادة - حسب رغبتهم، فإن اتساق الأعمال سينعدم عندئذ، وإن كان المديرون والقادة جديرين.
وكثير من الأحداث، والنواقص التي نلاحظها تحدث عن هذا الطريق، فكم من هزيمة أصابت جيشًا قويًا، أو نقصًا حدث في أمر يهم جماعة. ولقد ذاق المسلمون أيضا، مرارة مخالفة هذه التعاليم مرارا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعده، ومن أوضح الأمور قصة هزيمة المسلمين في معركة أحد لعدم الانضباط من قبل جماعة قليلة من المقاتلين، تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل ص١٦.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد