www.tasneem-lb.net

شهر رمضان

شهر رمضان - العلاقة بين الصدق والنصر وجهاد النفس

العلاقة بين الصدق والنصر وجهاد النفس  


قوله تعالى: "وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ " سورة الصافات الآية ٩٩.
هذا الهجر مراده بذهاب إبراهيم (عليه السلام) إلى ربه، أي إلى مكان يتجرّد فيه لعبادته تعالى، ودعائه وهو الأرض المقدسة. 

ليس المقصود بهذا الهجر العزلة والابتعاد عن الناس، حتى يحين الأجل بل المقصود به الجهاد عبر تقديم خطوات تثبت صحة نيته، وصدقه في الطلب.
فدعا ربه: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) سورة الشعراء ٨٤.
وقوله: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) الصافات ١٠٠.
يذكر عزمه على المهاجرة من بين قومه عبدة الأصنام، واستيهابه من الله ولداً صالحاً إشارة إلى حاله التي تظهر صفة كماله، وصفاء ذاته، وحلمه الذي مكنه من الصبر في ذات الله، إذ قال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) الصافات ١٠٢.

وقوله تعالى:
"وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا" الصافات ١٠٤.
أي اوردتها مورد الصدق وجعلتها صادقة، وامتثلت الأمر الذي أمرناك.

كل هذا الجهاد من انتفاضته على عبادة الأوثان، واختصامه لعبّادها وانتهاء أمره إلى إلقائه في النار، وامتثاله لأمر الله بقصة ذبح ابنه، وعزمه على المهاجرة إلى ربه كان لها ثمار عظيمة جعلته منصوراً في الدنيا والآخرة ومنها:
١- الأبناء الصالحون (اسحاق ويعقوب) ليسرجوا مصباح الإيمان، والنبوة في بيته والسير على منهاجه في التوحيد وتحطيم الأصنام.
٢- (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) العنكبوت:٢٧
حيث استمرت النبوة في ابراهيم (عليه السلام)، وذريته حتى نبوة خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نوّروا العالم بضياء التوحيد. 
٣- (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ) العنكبوت ٢٧.
لعله إشارة إلى الإسم الحسن، ولسان الصدق والثناء من جميع الأمم الذين يفتخرون بوجوده ويسمونه (شيخ الأنبياء).
كما أن عمارة أرض مكة كانت بدعائه، وجذب قلوب الناس جميعاً نحوه لتتذكر ذكريات التجلي، والإيمان كل سنة في مناسك الحج. 
٤- (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) العنكبوت :٢٧ كلها مجموعة متكاملة من المفاخر 
بالإضافة إلى أن الله عزّ وجلّ بدّل جميع الأمور والأحوال التي تؤدي إلى الاستياء إلى الضدّ:
١- عبدة الأوثان في بابل أرادوا إحراقه بالنار، فتبدلت روضة وسلامًا.
٢- أرادوه معزولاً منفردًا عن الناس، فوهب الله له أمة عظيمة وجعل النبوة في ذراريه. 
٣- كان بعض أقاربه ضآلاً وعابداً للصنم كما هي الحال في (آزر)، فأعطاه الله مكانه أبناء مهتدين وهادين للآخرين.
٤- لم يكن لإبراهيم في بداية حياته مالاً وجاهاً عظيماً، بل كان أمره مجهولاً لا يعرفه الناس، حتى أن عبدة الأوثان في بابل حين أرادوا تعريفه (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) الانبياء :٦٠
ولكن الله تعالى رفع مقامه وأعلى صيته.
فليس كل من ادّعى (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ) صحّت هجرته إلى ربه، بل عليه أن يقدم الأدلة التي تثبت صدقه، وأفضل الأعمال هي الجهاد في سبيل الله، كما قال امير المؤمنين (عليه السلام): (إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدين)، الوسائل ج‏15 ص‏94.

وليس الجهاد فقط في ساحات المعركة، بل أهمها الجهاد الأكبر مع النفس حتى يصبح الصدق ملكة راسخة فيها فتهاجر إلى ربها فيهديها سبله، تفسير الميزان ج١٧. 


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد