www.tasneem-lb.net

عاشوراء

عاشوراء - فلسفة الموت |5|

فلسفة الموت 
|5|

سرّ الخلود
    

أساطيرٌ كثيرة تحدثت عن سعي أناس إلى اكتشاف سر الخلود الدائم. بعضهم اعتقد أنه يكمن في "ماء الحياة" فانطلق باحثًا عنها.. وآخرون نسبوه إلى نبتةٍ عجيبة. إلا أنهم جميعًا وقعوا في ذات وهم "تفاحة آدم"، ولم يفلحوا في الوصول إلى مبتغاهم.

وحده الحسين عليه السلام نجح في هذه المهمة، وأدرك سر الخلود والبقاء. فلا ضربات السيوف ولا طعنات الرماح ولا حتى احتزاز الوريد تمكّن من القضاء عليه!
فما هو هذا السر يا ترى؟
لقد استطاع أبو عبد الله الحسين أولاً الانعتاق من حدود الزمان والمكان، وجال في عوالم الوجود كافة، فوجد أن عمره المحدود في هذه الحياة الدنيا لا يساوي إلا صفرًا بالمقارنة مع محور الحياة الأبدية.
لكنه أبى إلا أن يحول هذا الصفر إلى أعداد لا متناهية.
لأنه فهم أن الدنيا ما هي إلا دورٌ علينا تأديته والرحيل. وبحسب تميزنا في إتمام هذا الدور يتحدد حالنا بعد الموت. والحسين كان في قمة الإبداع خلال تأديته لدوره الذي خلقه الله لأجله، ولذلك كانت له نتيجة تخليد الذكرى والفوز بسعادة الآخرة.

ولكن ماذا عنا نحن التائهون في أزقة الحياة؟
إنّ حالنا هو كمَن يتوهم بأن للكرة الأرضية أسوارًا وأبوابًا، فيوصد الأقفال داخلها، ويحبس نفسه ضمن أفق ضيق صغير.
وبدل أن نسلك درب البصيرة باحثين عن مهمة لنا في حياتنا الدنيا فنؤديها على أتم وجه اقتداءً بمولانا الحسين عليه السلام، لنضمن حصولنا على وصفة الخلود والنعيم الدائم.
ترانا نضيع في الملذات والشهوات ونلهث وراء بريق الدنيا الخداعة من مال وجاه وسلطان. وسرعان ما ينقضي "صفرنا" من دون أن نراكم إلى جانبه أعدادًا إضافية، فيدركنا الموت الذي اعتقدناه ما زال بعيدًا جدًا.

فلو أن الطبيب مثلًا يبدل نظرته إلى حلم عمره ووجوده بأن يطبب الناس ويداويهم، إلى دور بسيط يؤديه لبرهة من الزمن ويجعله تقربًا إلى الله تعالى وبنية تحصيل رضاه.
أو المزارع الغارق في الحقول وبين المحاصيل، يرى عمله هذا إحياءً للطبيعة وفي خدمة عباد الله وسعيًا في سبيله عز وجل.
والأم التي تفني أيامها وسنينها في تربية أطفالها، تتوجه إلى الباري جل وعلا وتقول" إلهي إن هذا هو شغلي الذي اخترتُه لدنياي بقصد مرضاتك فتقبله مني يا رب العالمين".

وهكذا فإننا عندما ننظر إلى وجودنا الدنيوي على أنه مجرد واجب علينا أداؤه بإتقان في سبيل تحصيل رضا الخالق عز وجل والفوز بالنعيم الأبدي في ملكوت الله، لا يعُد هناك داعٍ للتعلق بالدنيا الفانية والفزع من حلول الموت.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد