www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - هـا هو اليتيم بعين الله |63|

ثقافتنا
هـا هو اليتيم بعين الله
|63|

 

ها هو حرّاء، أنيس انشطاره الشاحط، وعزلته المغلقة الكاتمة في جو طلق لا تحتويه آفاق ولا حدود. ويستوعب محمد من عليائه فسحة فسيحة من الكون بنظرة تستعصي على من أخلد إلى الأرض، ولصق بها.
كـان معشر الـعـرب - يـومـذاك - على شـر دين، يشربون الكدر، ويأكلون الـجشـب، ويـسـفـكـون دمـاءهـم، ويـقـطـعـون أرحـامـهـم. الأصـنـام فيهم منصوبة، والآثام بهم معصوبة .
 لم يكن نبي قد بعث على حين فترة من الـرسـل، وحلكة غط فيها الكون.
ها هو محمد على أعتاب الأربعين، وروحه تطل على ما تجري من الفتن والآثام حسرةً وحزنًا، وأملًا حائرًا ، فما عليها إلا أن تتلو فهي ونفر آخر لا تدري من ذلك المأزق مخرجًا ولا فرجًا. 
رمق محمد السماء الشاحبة عند الأصيل: فالليل مقبل رويدًا رويدا؛ ليسدل على الربوع سجف العتمة، وتشب النجوم واحدة تلو الأخرى، بدت له السماء - آناء الليل– عالمًا مدهشًا عميقًا متنوعًا مرموزًا لا يبلى جديده، بل كل نقطة انطوى عالم غير معهود..
هـيـهـات مـن الـكـون الـعـجـيـب، الـعـبـث، هـيـهـات! لا بـد من خالق يدبر نظامه المدهش بحكمة وقـدرة. هيهات أن يترك الناس همـلًا؛ فـــالله لـيـس بـغـافـل عـنـهـم  أبــــدا.. إذن لـمَ صـــاروا إلــى هـذا المصير! 
لـم يكن محمد يخشى على نفسه -منذ عرفها- فقد لامس ببصيرته أن هناك مـن يعينه على الـوحـدة، كــان يـمـيز بالعقل ما لا صلاح له..
لا يـنـفـك محمد مـحـفـوفـًا بـقـوة قـاهـرة آنـًا بـعـد آن، تـأخـذ بيده وترعاه رتابة ، فإذا َحصُف وبلغ أشده، ازداد وعيًا بما وراء رتابة الحياة من أفكار وأوطار. 
لاذ بالطبيعة وأدمن النظر في مشاهدها.. في مظاهرها، لتفيض عليه بوافي العلوم، وغزيرها.. 
تلك المشاهد - وإن كانت صمّاء - ألقت على محمد كثيرًا من الأقوال إلا أنه في عقده الرابع، إذ اكتمل فيه العقل، واستحكم الـــرأي؛ تـخـطـت أسـئـلـتـه الـعـالـقـة حــدود الآيــات والـمـعـالـم، وجـابـت مساحات سحيقة، بعيدة عما كان يشغل باله من أمر الذات.
ألا ينبس كلٌّ ببنت شفه: تلك الحقيقة الناصعة، وذاك السر العميق، وهـذه المعالم والآيــات، بل مفتاح الغيب والغموض؟ ألا يـعـاود الخالق الصلة بالخلق، ويتحدث إليهم على فترة طويلة من الحيرة والصمت؟
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد