www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ثقافتنا ها هو اليتيم بعين الله |59|

ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|59|

لـمـا بـلـغ الـوالـد الـحـرم، مـعـه ابـنـه، شـاهـدا الـفـضـاء قـد تعجج بـالـنـقـع والــغــبــار، وفــاض حــول الـكـعـبـة لـفـيـف مــن الـنـسـوة والــرجــال والصغار لم ير لكمهم الهائل نظير إلا أيام الحج. 
ما إن رأى الوليد أبـا طالب، حتى ارتقى ركـام العيدان، ورفع عقيرته: اسكتوا.. اسكتوا..
تريث أبو طالب هنيهةً، ثمّ تحدث في نبرة تشي بالودّ والعتاب وقال: ما لي أراكم تبغون الفتنة في سبيل الخير!
اشتد اللغط من حواليه، وأوشك أن يخترق الهدوء الذي التزم به القوم للحظات.
رأى أبـو طـالـب - وهـو على معرفة بطباع الـقـوم - أن يـتـدارك الموقف، ويأخذ بمقاليد الحديث، قبل أن تفلت الأمـور، فقال بلا  تأن: مهلا.. مهلا..
انـضـم إلـيـه كـبـار قـر يـش، فـأخـذوا يـدعـون رجالهم إلـى السكينة والسكوت، قـال أبـو طـالـب، مـقـرعـا: يـا للعجب. تـدعـي قـريـش أنـهـا ترعى حـرمـة الـبـيـت وأمـانـه، وهـا هـم رجـالـهـا فـي الـحـرم، يـسـلـون السيوف ويسفك بعضهم دماء البعض! ثم ألقى على الجانبين نظرة، وأضاف: ألا تـخـافـون أن يـتـجـاسـر الآخــرون بـعـد عـلـى انـتـهـاك الـحـرمـة، فـتـزول عنكم النعم والأمان ويحق عليكم البلاء والعذاب؟
ألا تكفون عن الغي والضلالة، فها هو السيل والجدري والوباء ينال كل يوم من كبارنا وصغارنا.. ألا ترعوون! كأن قول أبي طالب اللين، أفاق وجدانهم من الغفوة والسبات العميق.
مدّ أبو طالب يده إلى ذقنه الصلب، وطأطأ الرأس قليلًا، ثم أخذ لحيته البيضاء الكثة براحته الضخمة. شخصت إلـيـه الأبـصـار فـي صـمـت. كأنها عـثـرت على الـحـلال للعقدة الغامضة العويصة. 
وأخـيـرًا رفـع أبـو طالب رأسـه، والتفت إلـى الجانبين ليقول: لا ّبد من التحكيم.
- تحكيم؟
- تحكيم من؟
- من ذاك الذي يذعن الجميع لتحكيمه؟ 
رد عليهم أبو أمية، 
- ماذا تقولون إن أحلنا التحكيم إلى القدر!
تحكيم القدر؟ 
 أجل، القدر
 كيف؟
 فلننظر إلى الجهات الأربـع، ولنجعل بيننا فيما نختلف فيه، أول رجل يدخل الحرم، فنذعن لرأيه بلا منازع.
 - لكن..
- لا مـجـال لـلـجـدال. فـلـنـدع الــتــردد جـانـبًا وإلا عــادت الفتنة. 
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد