www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ها اليتيم بعين الله |58|

ثقافتنا
ها هو اليتيم بعين الله
|58|

أب.. أب.. هذا ما صاح به جعفر، إذ أقبل ساعيًا من الزقاق، ودخل الدار مبهور الأنفاس.
تــرى مـا الــذي بـعـث فـتـى أبــي طـالـب عـلـى كـل هــذه الـلـوعـة والاضطراب! 
سأله أبو طالب في قلق وارتباك: ها، علي، أصابه شيء! 
قبل أن يهم جعفر بالرد، تعجلت أمّه في السؤال، وقد كانت تطحن الحنطة بـالـجـاروش: حـيـدر؟ (كـانـت فاطمة تـؤثـر أن تدعو ابنها الصغير حيدرًا، وإن كان قد سمّاه أبو طالب علي).
استعاد جعفر أنفاسه، وقال: لا، لا، لا بأس عليه؛ فهو يلعب مع الصغار خارج الدار. 
سأله أبو طالب: إذن ما خطبك؟ 
- فــي الـــحـــرم.. بــطــون قــريــش عـلـى وشــك الاقــتــتــال، وشــهر السيوف وسفك الدماء! نـزع أبـو طـالـب ظـهـره مـن حـائـط الـشـرفـة الـمـجـصـص، وقــام بلا سـؤال واستفهام، فـارتـدى العباءة بسرعة، وانطلق.
لم يمر أبو طالب منذ أربع ليال بالحرم، إذ بلغ البنيان موضع الركن، ونشب النزاع على نصب الحجر الأسود. «وقعت الحادثة بعد أن انقضى الليل، ولم ينل الوليد مكروه،  خـراب البنيان العتيق فـي نصف يـوم، ثـم بـادرنـا إلـى الأسـاس، فـتـم وحـفـرنـا الأرض حـتـى بلغنا عـمـقـًا يـطـاول بـضـع قـامـات مـن الـرجـال، فأفضينا إلـى أحجار خضر كعظام السنام، دخـل بعضها في بعض، فلما أدخل أحدنا العتلة بينها، سطع بريق لامع، فانتفضت الحجارة وتحلحلت دون أن تراوح مكانها. قــال أبـــي: يـبـدو أنــه الأســـاس الـــذي وضـعـه إبــراهــيــم عليه السلام للكعبة، فلا تحركوا الحجر، ولا شيئًا بحذائه، فأذعنا لأمره طائعين. 
بـلـغ الـبـنـاء ذراعــًـا ونـصـف الـــذراع، وحــان مـوعـد نـصـب الحجر الأســود، فاختصمت القبائل، كـل تريد دون الأخـرى أن تنال شرف رفعه إلى الركن. انصرف القوم عن البناء، وتعطل العمل، فجدّ الأشـيـاخ - بلا جدوى - أن يحلوا عقدة المشكلة. 
وبذلك صار أبي وأبو القاسم لا يـتـرددان على الـحـرم، إلاّ أنني لـم أنفك أغـدو إليه مـع أخـي طالب، وثلة من بني هاشم ثم نعود ليلاً؛ لننقل إلى والدي، الخبر».
- ها.. يا جعفر، لم تقل كيف جری ذلك؟ 
قال جعفر مبهورًا وهو يجد ليبلغ مبلغ أبيه في السعي وحث الـخـطـى الـبـعـيـدة: الـيـوم أيـضًـا كـمـاضـي الأيــام تحلقت الـبـطـون حـول الحجر الأســود، وأخـذ الـرجـال فيما كـانـوا يـأخـذون فيه كـل يـوم، من حـديـث الأمـجـاد، فـتـمـادوا فـي الـسـب والـشـتـم؛ كانت الضوضاء والجلبة تتناهى إلـى الأسماع على بعد زقاق بالسب في وجـه الآخـر، أو زقاقين دون الـحـرم. بعضهم يرفع صوته وآخر يصرخ فيهم ويحض المتخاصمين على الهدوء، والالتزام بحق الـقـربـى. 
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد