www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - هـا هـو اليتيم بعين الله |53|

ثقافتنا
هـا هـو اليتيم بعين الله
|53|

 

تـمـهـل محمد قـلـيـلاً، ثـم رفـع رأســه دون أن يحملق فـي عيني ميسرة ووجـهـه وقـال: دع الــدار واستعد للخروج ومر بركة تلتحق بنا؛ فعسى أن نحتاج إليها.
 سمعًا وطاعة، يا سيدي!
 إذ همّ ميسرة الانطلاق صوب الدرج، سأله محمد: ماذا تفعل حليمة؟ هل تناولت الفطور؟ 
أجـاب ميسرة كعادته ببسمة مطبوعة بالحياء: يـا سـيـدي، نعم تناولت حليمة الفطور معنا عند الفجر، وهـي الآن مع البقية على السطح، تعينهم على ضرب الخيمة. عبس محمد وقـطـب الجبين مـن كـلامـه، فعلم ميسرة - وهو على معرفة بطباعه - أن ما قاموا به من حمل الضيف على العمل هـو الــذي أثــار غـضـبـه؛ إذ قـد سـمـعـه مــرارًا يـقـول: «إذا َّحــل عليكم الضيف، فأكرموا وفـادتـه». ولا سيما إذا كـان الضيف حليمة، تلك التي أحبها محمد وأكبر شأنها وبجّلها تبجيل أمه.
 قال ميسرة، وهو يريد أن يدفع عنه سوء الظن: هي تطوعت للعمل، حاولت أن أمنعها مؤكدًا أن سيدي يكره ذلك، لكنها أبت ورفضت.
ارتـقـى أبـو القاسم وميسرة السطح؛ فتوقفت النسوة الثلاث عن العمل. أنـعـمـهـن أبــو الـقـاسـم صـبـاحًـا بـبـسـمـة عـذبـة حـنـون، وســأل عن حالهن، فـرددن عليه - ببشة وهشة - ثم اتّجه صـوب حليمة ووضع يـده عـلـى كتفها الـضـامـر، الخفيف الـلـحـم، وقــال بـرفـق ولـيـن: كيف أمسيت يا مرضع؟  أنمت مرتاحة البال؟ 
بـرقـت عين حليمة الـغـائـرة بـالـمـرح، ودعـابـة الأمـهـات، فقالت مـازحـة: لـم يـعـرف أحـد فـي هـذه المدينة الـهـدوء بين الـبـرق والـرعـد والسيل والمطر، فلو أخلد أحدهم إلى النوم، فأنا الثانية، وإن كنت أتحسس السكينة والأمان وأنا إلى جوار ابني داخل هذا الصرح!  قال أبو القاسم: الصحة والأمـان نعمتان مكفورتان، مستورتان عـن جــلّ الــنــاس، بـل جـمـيـعـهـم، لا يـعـرفـون قـدرهـمـا إلاّ بـعـد فـوات الأوان. 
- ألا تبقين معنا اليوم، يا مرضع؟
 - لا، لا، لا!  قال لها محمد بضحكة حلوة: إن البقاء معنا - يبدو - قد ثقل عليك وشق!؟ ربــطــت حـلـيـمـة يــدهــا عـلـى مـعـصـمـه، وقــالــت: أنــت أعــلــم يا ولدي، كم أنا أصبو إليك، لكن ما باليد حيلة؛ فصغاري وبعلي في انتظاري، وربما انتابهم القلق عليّ بعد حادثة السيل.
قال أبو القاسم: مازحتك يا مرضع.. معك الحق! 
ثــم الـتـفـت إلــى زوج مـيـسـرة، وقـــال: خــذي أربـعـيـن شــاة من القطيع وامنحيها حليمة، إذا عزمت على العودة، عسى أن تستعين بحليبها أو أجرة رعيها، ثم لا تأتلي في زاد طريقها وما تحتاج إليه. لم يلبث أن غشت وجه حليمة المرهق الهزيل أمارات الحمد والحنان، ودعـهـا أبـو الـقـاسـم، وانـطـلـق نحو الـسـلـم، حتى إذا بلغ الـدرج التفت مناديا: زيد! 
انصرف اليافع الجسيم عن شدّ حبال الخيمة بالأوتاد الفولاذية، ّورد: نعم، يا أبتاه! - تعال معنا، يا ولدي!
- سمعًا، يا أبتاه!
نفض زيد يده من العمل وانطلق إليه.
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد