www.tasneem-lb.net

أخلاق

أخلاق - ها هو اليتيم بعين الله |46|

ها هو اليتيم بعين الله
|46|


تـولّـى مـيـسـره إلــى ظـل شـجـرة زيـتـونـة، بـعـد أن تـفـرغ مـن تـدبـيـر أمـر القافلة، يداخله الانـشـراح ويـغـمـره الـدعـة والاطـمـئـنـان؛ فهاجس النهب والصعاليك انجلى وكذلك الظمأ والضياع.
الركب يلامس أيضًا في مثل هذه الساعات - إلى حد قليل أو كثير - ما يلامسه ميسرة من الشعور والإحـسـاس؛ فكل شـيء هدأ: الـسـرعـةخـفّـت، والـنـظـرات أتـرعـت حـنـانًـا وفـاضـت رحـمـة، جمع كل حمله في جانب، وراح أشياخ القوم يتجاذبون أطراف الـحـديـث بـيـن الـمـروج وأعـشـابـهـا الـقـصـيـرة، جالسين أو مستندين، وأحـــاط بـعـض بـالـيـنـبـوع يـغـسـل الـجـسـم أو الــدثــار.
أراد ميسرة أن يـركـن إلـى الـراحـة بعض الـوقـت، فـوضـع تحت الـرأس نعليه، وقام على جنبيه. فمثلت أمامه تلك الأكمة الصخرية التي أطلت منها صومعة بحيرى الراهب. صومعة فريدة، بجدران صـخـريـة مـنـيـفـة. اتـخـذت مـن الـقـمـة. بـرز في بداية ذاك الطريق، رجـل ممشوق القامة، فأقبل نحو البستان، وعليه قلنسوة سـوداء كقلانس القسيسين، لما وصـل البستان، توقف قليلاً، وأخـذ يحدق في ناحية من المكان، فقعد ميسرة القرفصاء، والتفت إلـى مطمح نـظـره، حيث محمد مستلق تحت شجرة السدر، وقد اشتمله النوم من الرهق. 
مكث الـرجـل يتأمله طـويـلا؛  فتوجّس ميسرة منه خيفة، فقام من مكانه، ولبس نعليه، ثم انطلق إليه. 
كـان الـرجـل وضــيء الـوجـه، يـقـارب الخمسين، نشب الشيب في ذهب شعره. رأى الـراهـب الـكـهـل ردّة فـعـل مـيـسـرة، فــراح  يطمئنه بتحيّة: طاب يومك! - وطاب يومك أيضًا! – 
أهلًا بك في أرضنا. 
رحلة خير وبركة..
- شكرًا
تـقـدم الـراهـب قدمًا ثم تريث وقــال: هـل لـي أن اسـألـك يا أخي؟ 
إسأل، عسى أن تنال مني الجواب.
  من ذاك الشاب الوسيم الراقد في ظل شجرة السدر؟ 
هو من قريش، اسمه محمد، رئيس القفل.
بمَ يعرف في قومه؟ -
هـو فـقـيـر، لكنه ذو شـأن عـظـيـم، يــلازم الـصـدق ويـصـرّ عليه فسماه أهـل مكة «الأمـيـن». والآن قـل لـي يـا رجـل مـا المقصود من السؤال؟
-لا بد أنه الفارقليط، الذي ورد اسمه في الإنجيل
- الفارقليط... من هو الفارقليط؟ -
هـو أحـمـد، أو محمد كما يـقـول الـعـرب. آخـر الـرسـل وخاتمة الهداية الإلهية للبشر. سيظهر عما قريب أمره.
ومن أين لك ذلك، يا رجل؟
-مــن صـفـاتـه وعــلائــم ظــهــوره، هـو - بـلا ر يـب - ذاك الـذي مـر  هنا أيـام صباه. ونقل إلينا - فيما ما مضى - بحيرى العالم أخباره. واليوم لاحت لي في السماء - وأنتم تُقبلون - غمامة، تظلل موضعًا من ركبكم دون أن تزايله وتفارقه. وإذ دنوتم، رأيت أن الغمامة تظلل هذا الشاب. وشجرة السدر تلك، حيث نام، كانت منذ أمد سحيق يـابـسـة أغصانها، لـكـن انـظـر إلـيـهـا الآن، طـابـت وأيـنـعـت!، تهصرت عليه لئلا تلفحه الشمس! هذه أيضًا مما ورد في كتبنا.. من علامات نبوّته.
يتبع..


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد