www.tasneem-lb.net

واحة تسنيم

واحة تسنيم - الغُربة

الغُربة
بقلم الكاتب أحمد بزي

كندا طقس بارد، ليل قصير، قمر يطل لدقائق ثمّ يحتجب، إنها الغربة الجميلة بنظره.
كان يقيم في العاصمة، يجمع الصدقات والتبرعات، يضعها في جيبه الخلفية. ويرسلها للمحتاجين أينما كانوا وكانت زوجته خير سند له.
دخل المسجد يوماً، جلس يقرأ القرآن. لم يكن من أصحاب الأصوات الحنونة لكنه كان متدبّراً. تقدّم منه رجل أربعيني، وجلس بجانبه.
- حبذا لو تسمح لي وأنت تقرأ أن أصحّح لك التلاوة.
ابتسم الحاج أبو عباس. وقد نحّى رأسه بخجل إلى أقصى اليمين.
كان أبو عباس يعرف أحكام التلاوة جيداً. لكنه حدّث نفسه حينها بأن لا ضير في ذلك عسى أن يزيده هذا الرجل شيئاً.
لما انتهيا من التلاوة سأله الحاج أبو عباس: "ما اسمك؟". فأجابه الرجل. 
وما إن أنهيا تأدية الفريضة غادرا المسجد.
ابتسما وافترقا.
كان الحاج أبو عباس (فوزي) جائعاً جداً. لكنه لا يملك المال. في الحقيقة يوجد في جيبه الأمامية دولارٌ كنديٌّ واحد.  
أخذ منه الجوع مبلغاً. تردّد كثيراً بأن يستدين من الجيب الخلفي. حتى فعل ذلك أخيراً ودخل إلى المطعم.
في المطعم أتاه الرجل الأربعيني مجدّداً. 
يا لوقاره هذا الرجل. قال بعد السلام: "دعنا نأكل سوياً".
- يا رباه، سأضطر للاستدانة أكثر. حدّث الحاج فوزي نفسه.
- تفضل على الرّحب (هكذا قال بصوتٍ مرتفعٍ للرجل).
أكلا والحاج يفكّر في دفعِ الحساب، وإرجاع الدين. ولما حان وقت الدفع كان المبلغ دولاراً واحداً. أما الباقي فقد دفعه الرجل قبل أن يتناولا الإفطار.
آه! لقد نسيت أن أخبركم في البداية أنّ أبا عباس كان قد أمضى سبعة أشهر صائماً كرمى أن يلتقي بإمام الزمان.
أوقفتُ تجدّبي وتثاؤبي هذا الصباح. فقد قالت لي زوجتي خير السند: "إنها الرابعة والربع، حي على الصلاة، إنه أول صباحات شهر الصوم".
نهضتُ مسرعاً: "صباح الخير يا إمام الزمان. أما آن؟".
توضأت وقرأت الفاتحة للشهيد القائد الحاج فوزي أيوب أبو عباس، وقرأتها لأبي. 
ثم أرسلتُ القصة من شاطئ صور.
صور، طقسٌ حار، نهار طويل، شمسٌ تحتجبُ خلف السّحاب. حالات الإفطار على الطرقات بالعشرات.. إنّها الغربة الحقيقية.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد