www.tasneem-lb.net

واحة تسنيم

أشهر النور - ضيفا الإمام

ضيفا الإمام
بقلم الكاتب أحمد بزي

في السّوالفِ القادِمة لنْ يذكروا له اسماً. سيقولون عنه: "كان من أصحابِ عليٍّ وكان من بلادٍ بعيدة". سأستغلُّ ذلك وأسمّيه " عاهداً"، أسمّي ابنه "موسى". 
لم أكن قبلَ هذه الليلة أهتمُّ بتدوين هذه التفاصيل. قلتُ في نفسي، لربما سيأتي بعض رهبان الليل في آخر الزمان فيستعبرون. 

فخططتُ قصّة على صفحةِ قلبي كعشرات القصصِ الباقيات.

كان يكفيني أنّهما ضيفانِ في دار سيدي ومولاي لأكون لهما خادماً. وكنتُ إذا حلّ علينا ضيفٌ أراقبُ أمير المؤمنين كيف يؤدّي أوراد  حسنِ الضيافة. 
ما إن دخلا حتّى قام الإمام إليهما. أجلسهما في وسط غرفة الضيوف، ثم جلس بين أيديهما. قبَّل الطفل ابن السنوات السبع على رأسه، وتمتمَ بدعاء.
خرجتُ بإشارةٍ كنت قد حفظتها من الإمام، وعدتُ بعد دقائقَ بالطعام. كانا يتحدثان بلغةٍ لم أفهمها. لغة البلاد البعيدة.
ما إن دخلتُ حتى فتح الإمام باب الدار، كنا قد اعتدنا على هذا الفعل من الإمام كلما وضعنا الطعام. جلتُ ببصري في الخارج عسى أن يكون في الجوار مسكينٌ لم يأكل. لم أجد. عدتُ إلى الدار. 
انتظروا الطعام حتى يبرد. ثم بدأ سيدي بإطعامهما أول لقمة بيمينه. كنت أخجل أن أحدق في وجه أحدٍ يأكل. غضضتُ بصري حتى انتهوا. 
لما انتهينا من الطعام، جئتُ بطشت، وبإبريق من خشب، ومنديل. أردتُ أن أصبَّ الماء على يدي الرجل الجليل وابنه، فوَثبَ الإمام وثبةً فاح على إثرها عطر محمدي في الغرفة. 
- دع عنك يا قنبر.
أخذ عليه السلام الإبريق. أراد أن يصبَّ الماءَ بنفسه.
تمرّغ "عاهد"ُ في الأرض. وتمرّغتْ منّي دمعةٌ على خدي، فشهقتُ حتى أخفيَها لدعاءٍ في الليل. 
- يا أمير المؤمنين! الله يراني وأنتَ تصبّ على يدي الماء. 
قال عاهد بصوتٍ أخرجهُ من أعماقِ صدره. 
أسندتُ رأسي إلى الحائط أبكي تواضعه ومعرفته لإمام زمانه.
أجابه الإمام بحنانه: "أقعد واغسل، إن الله يراك وأنا أخوك أخدمك".
ثم راح الإمام يُقسم عليه، أن يدعه يغسل يديه.
كان الإمام يسكب الماء، وعاهد يفركهما كأنه يفرك قلبه بالنّفحات.
لمّا فرغ الإمام من تغسيل يدي الأب طلب إليّ أن أنادي ابنه محمد بن الحنفية. ناديته. أتينا معاً. ناوله الإبريق. 
- يا بني لو كان الابن قد حضرني دون أبيه لصببتُ على يديه، ولكنّ الله عز وجل يأبى أن يساوى بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان. فليصبَّ الإبن على الإبن.
كان الرجل من أصحاب علي، وكان من بلادٍ بعيدة، وكان عليٌّ له القريب، والبعيد، والحدود. وقد كتبتُ كلّ هذا ليكون ذكراً في آخر الزمانِ لألفِ ألف عاهدٍ وقنبر في حكمِ علي، يفركون القلب بالنفحات، ويعرفون حق عليّ إذا صبَّ الماء.


تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد