رحلة حياة - جولة في ملكوت الحج |6|
جولة في ملكوت الحج |6|
وبقيت لأيام معدودة في مكة بعد أن أحللت من الإحرام.
يا لها من أيام جميلة قضيتها في بيت الله كنت فيها تارة تالياً للقرآن، وتارة مصلياً بين يدي خالقي ومنعمي، وتارة في طواف وسعي استحبابي أو نيابي عن أحبتي ووالداي.
وتارة في نظر تأملٍ للكعبة المشرفة.
وأحياناً متفكراً في الأحداث التي مرت علٍى إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وكيف أن هذه السيدة الجليلة أم إسماعيل هرولت بين الصفا والمروة؛ وكأن هذه الهرولة للحجيج إحياءً لذكر هذه المرأة المؤمنة، التي تحمّلت ما تحمّلت في سبيل الله عز وجل.
نعم، لقد عشت حالة من الشكر الربوبي لنبي إبراهيم (عليه السلام) الذي رفع قواعد هذا البيت العظيم مع إبنه اسماعيل وكيف بقي هذا البيت مع بساطة بنائه خالدًا مع خلود الدهور والأيام! فإن التفكير في هذه القصة الإبراهيمية الخالدة؛ من موجبات الاعتبار، وتغيير إستراتيجية الوجود، فالذي يعمل لغير الله عز وجل، ليعلم أن عمله لا عقب له، وهو في الحقيقة عمل أبتر. فكما أن كل أمر لم يبدأ ببسم الله، فهو أبتر؛ فكذلك الأعمال الكبرى إذا لم تكن مقصودة لله عز وجل، فهي منقطعة. بخلاف عمل إبراهيم، فهو عمل بسيط، ولكن رب العالمين أحيا ذكره. فالحِجر حِجر إسماعيل، والجمرات تذكرنا بإبراهيم (عليه السلام)، والسعي كذلك، والهرولة كذلك، وماء زمزم، فأغلب هذه المعالم معالم إبراهيمية، متعلقة به وبزوجته هاجر وبولده إسماعيل، وهذا أيضاً من دلائل صدق النبي الأكرم (صلوات الله عليه وآله)، أنه كما قال عنه القرآن الكريم: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، وأن يأتي النبي الخاتم (صلوات الله عليه وآله)، ليخلد ذكر إبراهيم (عليه السلام) محطم الأصنام.
يتبع..
(الحج عرفة).